سورة المائدة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {إِذ جعل فيكم أنبياء} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم السبعون الذين اختارهم موسى، وانطلقوا معه إِلى الجبل، جعلهم الله أنبياء بعد موسى، وهارون، وهذا قول ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنهم الأنبياء الذين أُرْسِلوا من بني إِسرائيل بعد موسى، ذكره الماوردي. وبماذا جعلهم ملوكاً؟ فيه ثمانية أقوال.
أحدها: بالمن والسلوى والحجر.
والثاني: بأن جعل للرجل منهم زوجةً وخادماً.
والثالث: بالزوجة والخادم والبيت، رويت هذه الثلاثة عن ابن عباس، وهذا الثالث اختيار الحسن، ومجاهد.
والرابع: بالخادم والبيت، قاله عكرمة.
والخامس: بتمليكهم الخدم، وكانوا أول مَن تملَّك الخدم، ومن اتخذ خادماً فهو ملك، قاله قتادة.
والسادس: بكونهم أحراراً يملك الإِنسان منهم نفسه وأهله وماله، قاله السدّي.
والسابع: بالمنازل الواسعة، فيها المياه الجارية، قاله الضحاك.
والثامن: بأن جعل لهم الملك والسلطان، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين} اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين.
أحدهما: أنهم قوم موسى، وهذا مذهب ابن عباس، ومجاهد. قال ابن عباس: ويعني بالعالمين: الذين هم بين ظهرانيهم. وفي الذي آتاهم ثلاثة أقوال.
أحدها: المن والسّلوى والحجر والغمام، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به.
والثاني: أنه الدار والخادم والزوجة، رواه عطاء عن ابن عباس. قال ابن جرير: ما أُوتي أحد من النِّعم في زمان قوم موسى ما أُوتوا.
والثالث: كثرة الأنبياء فيهم، ذكره الماوردي.
والثاني: أن الخطاب لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب سعيد بن جبير، وأبي مالك.


قوله تعالى: {يا قوم ادخلوا} وقرأ ابن محيصن: يا قومُ، بضم الميم، وكذلك {يا قوم اذكروا نعمة} {يا قوم اعبدوا} [الأعراف: 59]. وفي معنى {المقدّسة} قولان:
أحدهما: المطهرة، قاله ابن عباس، والزجاج. قال: وقيل للسطل: القَدَس، لأنهُ يتطهّر منه، وسُمّي بيت المقدس، لأنه يتطهر فيه من الذنوب. وقيل: سمّاها مقدّسة، لأنها طهرت من الشرك، وجعلت مسكناً للأنبياء والمؤمنين.
والثاني: أن المقدَّسة: المباركة، قاله مجاهد.
وفي المراد بتلك الأرض أربعة أقوال.
أحدها: أنها أريحا، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي، وابن زيد. قال السدي: أريحا: هي أرض بيت المقدس. وروي عن الضحاك أنه قال: المراد بهذه الأرض إيلياء وبيت المقدس. قال ابن قتيبة: وقرأت في مناجاة موسى أنه قال: اللهم إِنَّك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن البيوت بكة وإِيلياء، ومن إِيلياء بيت المقدس. فهذا يدل على أن إِيلياء الأرض التي فيها بيت المقدس. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي أن إِيلياء بيت المقدس، وهو معرَّب. قال الفرزدق:
وبيتانِ بَيْتُ الله نحْنُ وُلاتُهُ *** وبَيْتٌ بأعلى إِيلياء مُشرَّفُ
والقول الثاني: أنها الطور وما حوله، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به.
والثالث: أنها دمشق وفلسطين وبعض الأردُن، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: أنها الشام كلها، قاله قتادة.
وفي قوله تعالى: {التي كتب الله لكم} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه بمعنى أمرَكم وفرض عليكم دخولها، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: أنه بمعنى: وهبها الله لكم، قاله محمد بن إِسحاق. وقال ابن قتيبة: جعلها لكم.
والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكنكم.
فإن قيل: كيف؟ قال: فإنها محرمة عليهم، وقد كتبها لهم؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه إِنما جعلها لهم بشرط الطاعة، فلما عصَوْا حرَّمها عليهم.
والثاني: أنه كتبها لبني إِسرائيل، وإِليهم صارت، ولم يعنِ موسى أن الله كتبها للذين أُمِرُوا بدخولها بأعيانهم. قال ابن جرير: ويجوز أن يكون الكلام خرج مخرج العموم، وأُريد به الخصوص، فتكون مكتوبة لبعضهم، وقد دخلها يوشع، وكالب.
قوله تعالى: {ولا ترتدوا على أدباركم} فيه قولان:
أحدهما: لا ترجعوا عن أمر الله إِلى معصيته. والثاني: لا ترجعوا إِلى الشرك به.


قوله تعالى: {إن فيها قوماً جبارين} قال الزجاج: الجبار من الآدميّين: الذي يُجبِر الناس على ما يريد، يقال: جبار: بَيِّنُ الجَبَرِيَّة، والجِبِرِيَّة بكسر الجيم والباء، والجَبَرُوَّةُ والجُبُّورة والتَّجبار والجَبَرُوت.
وفي معنى وصفه هؤلاء بالجبارين ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم كانوا ذوي قوّة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم كانوا عظام الخلْق والأجسام، قاله قتادة.
والثالث: أنهم كانوا قتَّالين، قاله مقاتل.
الإِشارة إِلى القصَّة قال ابن عباس: لما نزل موسى وقومه بمدينة الجبارين، بعث اثني عشر رجلاً، ليأتوه بخبرهم، فلقيَهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائِه، فأتى بهم المدينة، ونادى في قومه، فاجتمعوا، فقالوا لهم: من أين أنتم؟ فقالوا: نحن قوم موسى بعثنا لنأتيَه بخبركم، فأعطوهم حبَّةً من عنبٍ توقر الرجل، وقالوا لهم: قولوا لموسى وقومه: اقدروا قدر فاكههم، فلما رجعوا، قالوا: يا موسى إِن فيها قوماً جبارين. وقال السدي: كان الذي لقيهم، يقال له: عاج، يعني: عوج بن عناق، فأخذ الاثني عشر، فجعلهم في حُجرته وعلى رأسه حُزمة حطب، وانطلق بهم إِلى امرأته، فقال: انظري إِلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، فطرحهم بين يديها، وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لا، بل خلِّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا. فلما خرجوا قالوا: يا قوم إِن أخبرتم بني إِسرائيل بخبر القوم، ارتدوا عن نبي الله، فأخذوا الميثاق بينهم على كتمان ذلك، فنكث عشرة، وكتم رجلان. وقال مجاهد: لما رأى النُّقباءُ الجبارينَ وجدوهم يدخل في كمِّ أحدهم اثنان منهم، ولا يحمل عنقود عنبهم إِلا خمسة أو أربعة، ويدخل في شطر الرّمانة إِذا نزع حبّها خمسة أو أربعة، فرجع النقباء كلُّهم ينهى سبطه عن قتالهم، إِلا يوشع، وابن يُوقنَّا.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10